صامتة هي رغم الضجيج الذي يعم المكان, تبدو وكأنها تنظر إلى الأفق
البعيد في شرود واضح مع نوعا من الألم الذي
لا يراه من حولها بل ولا يشعر به احد.
الأطفال من حولها يركضون ويلهون يبعثرون ويعبثون وهي في عالمها.
اقتربت منها زوجة ابنها الكبير مسحت دمعة خرجت من مخبأها
رغما عنها كانت تحاول إخفاءها لكنها لم تفلح فقد كانت غزيرة.مسحتها متسائلة مالك ؟ لعلك بخير ؟
كانت قريبة منها اقرب من إحدى بناتها تعرف ما بها من مجرد النظر إلى
ملامحها.
استغربت من دمعتها التي لم ترها منذ زواجها من ابنها .كانت
تتساءل في لهفة هل أساء احد من الأبناء إليك ؟أم انك تشكي ألما؟
إجابتها :لا يابنيتي لم يؤذني احد ولا اشتكي أي الم.
إذا ما بك يا أمي وماذا أستطيع أن أقدم لك فلو طلبتي عيوني ما بخلت
بها ؟
ردت عليها وهي في سرور من قولها سلمتي وسلمت عيناك من كل سوء.
قالت لها: عندي طلب وحيد أريدك أن تحققيه لي اجابة بلهفة
ابشري وأامري يا أمي
قالت لها والعبرة تخنق كلماتها :أريدك يا بنيتي أن تسمعيني فقط
أريد أن أسافر معك في بحر الماضي ,أصغي إلي بصمت
وبعدها قولي رأيك بكل صراحة,
أجابت :أي ماض يا أمي ؟
ردت عليها : ماض لم تعرفيه ماض سكن في وسكنت فيه سأحكي لك
الحكاية منذ أن ارتبطت بوالد زوجك أبو هادي.
لكن بعد أن يهدا أطفالك ويذهبوا لنومهم لان حكايتي طويلة فقصتي
تحتاج لهدوء وإنصات كما قلت لك.
عادت في عجلة بعد ان هدأ وضع المنزل وعم السكون المكان
وهي تقول تكلمي أمي كلي آذان صاغية:
بدأت في الحديث بكلمات تخرج متحشرجة من بين إضلاعها:
قصتي يا بنيتي لم احكها لسواك ولن احكيها مرة أخرى لذلك اسمعيني
بقلبك قبل أذنك وأنصتي كي أستريح.
في يوم من أيام عمري وبدايات شبابي, عندما أنهيت المرحلة الثانوية
وبكل شوق أتلهف لتقديم ملفي الجامعي
طُرق بابنا ولم اصدق وأصبت بالذهول عندما فتح والدي الباب
وبعد قليل عاد إلينا بغير الوجه الذي ذهب به وهو يقول اسمعي يا صافية
لن اسمح لك بأي كلمة ولن ادع لك فرصة
الرفض كما اعتدت .هذا جارنا يريدك زوجة لابنه تيسير .صمتُ قليلا
فأنت لا تعرفي والدي الذي لم أكن أستطيع النظر إلى عينيه
لم يكن تيسير أول من طرق بابنا ودائما كنت ارفض فدراستي أهم من أي
شئ, رفضت كل من تقدم إلي فلا يوجد في بالي سوى مستقبلي العلمي.
لكن خطاب والدي ولهجته لم تكن كالمعتاد كان عنيفا هذه المرة لا يريد
مني سوى الموافقة. وهو يردد كم خاطبا رفضت يا صافية ماذا تريدي ان
تقول الناس عنك نسيتي انك ابنة عامر صلاح ؟
كم كان يخشى على مكانته الاجتماعية ونفوذه من الكلام فهو من احد
أعيان بلدتنا ولا يسمح لأحد بالاعتراض على قراراته
في هذه اللحظات أجبته :خيرا والدي الأمر لك.
ابتسم قائلا : الآن يا ابنتي أثلجت صدري هذا جارنا كما قلت لك جاء
خاطبا وسيكون الزفاف خلال شهر من الآن فابنه تيسير سيغادر البلاد
لإكمال دراسته وسياخذك معه.
تحطمت أحلامي لإكمال الدراسة في بلدي لكن فتح بابا من الأمل لاكمالها
مع زوج المستقبل وهذا كان جانبا مشرقا في الموضوع,
تم الزفاف وغادرنا إلى بلاد الغربة كنت حينها في لهفة لإكمال دراستي
وبعد استقرارنا وبداية دراسة عمك: عرضت عليه الفكرة
التي كانت كصفعة تلقاها.
قال :أنت تعرفي أني قدمت للدراسة على حسابي الخاص وضروفي كما
تعلمي بالكاد أستطيع تدبير أمر دراستي.
كان طيبا جدا لكن ضروفه المادية كانت صعبة قليلا.
سلمت أمري إلى الله بعد ان تحطمت آمالي وأدركت أنني لن استكمل
دراستي إلا بعد عودتي إلى البلاد.
بدأت رحلتنا ورزقت في أول سنة لنا هناك بهادي الذي ادخل السعادة إلى
قلبي وانأ في وحدتي عندما يكون والده مشغولا خارج المنزل.
كنت أجد نفسي في زوجي وأقدم كل ما أستطيع حتى يكون مرتاحا لا
ادعه يشعر حتى بألمي كنت أرى الدنيا بعينيه.
لا أنسى ذلك اليوم حين عاد من جامعته كالذي فقد عزيزا كان حزينا جدا
بل كانت دمعات تخرج من عينيه ارى بريفها رغم قدرته على منعها من
السقوط كان شديد الحرص على عدم إزعاجي لكن عرفت ان هناك شيئا
ما
بادرته خيرا ان شاء الله ما بك يا أبا هادي ؟أراك بغير الوجه الذي
خرجت به.
قال: نعم يجب ان نحزم حقائبنا ونعود فورا.
خير ومالذي حدث ؟
أجاب واليأس يملا كيانه .اليوم تلقيت إنذارا من الجامعة فقد انتهت مهلة
دفع الرسوم الخاصة بالدراسة ولا يمكنني دفعها لذا لا مفر من العودة
للبلاد.
قلت له مستحيل ان تكون هذه الأزمة سببا لترك دراستك وقتل حلمي
وحلمك.
قلت له: اصبر قليلا لعل الله يأتي بالفرج. الآن ارتاح وخذ قيلولتك
وبعدها ستحل ان شاء الله.
جلست أفكر وأفكر يجب ان يكون هناك حلا للمشكلة لن استسلم
جمعت مالدي من مصوغات ,لكنها بالكاد تكفي لإكمال الباقي من السنة
,قلت لنفسي لاباس حل مؤقت إلى ان تحل الأزمة.
بعد ان استيقظ حملت له ما معي من مصوغات وطلبت منه ان يتدبر
الأمر مؤقتا حتى نجد حلا .بعد تردد قبل وهو يقول سأعوضك بغيرها
عندما تفرج الأمور.
قلت له لا تهمني أموال الدنيا أهم شئ ان لا تنقطع وتكمل مابقي
فمن المؤلم عندما أستطيع تقديم شيئا واقصر ,فحلمك حلمي.
أخذها بعد تردد وذهب .وبقيت أفكر وأفكر فلا يمكن ان اجعله يرجع بخفي
حنين.
بعد طول تفكير خطرت في بالي فكرة وتمنيت ان يوافقني عليها.
بعد عودته بادرته بقولي لن نرجع مهما كان.
فالحل عندي وأتمنى ألا تعارض .قال :خيرا مالحل .؟
أجبته أنت تعرف أننا في غربه وهناك الكثير من أبناء الوطن والعرب
الذين يدرسون ولديهم أطفال صغار بحاجة للرعاية سأتولى العناية بهم
مقابل مااستطيع مساعدتك حتى تكمل دراستك.
هذا هو الحل الوحيد أنت تعلم ضروف الأهل في البلاد فوالدك يرحمه الله
لم يترك شيئا بعد وفاته منذ شهورا.
ووالدي تعرف انه بالكاد يتدبر أموره ولا يمكن لأحد مساعدتنا
ولابد من تدبر الأمر. مهما ابذل لن ادعك تنهي الأمر هكذا لابدمن
الاستمرار.
وافق بعد تردد وأعلن الأمر على زملائه ومعارفه فاستبشروا وفرحت كل
الأخوات اللواتي يدرسن بل رحبن بكل سعادة.
لم يمض أسبوعا إلا ولدي مجموعة لاباس بها من الأطفال مقابل مبلغ لا
باس به.
اجتهدت قدر المستطاع لم أكن ارتاح إلا ساعات قليلة فبعد ان تأخذ
الأمهات أطفالهن ويعود زوجي من جامعته ,أبقى معه ارتب أوراق أبحاثه
واجمع شتاتها وفي اغلب الأحيان اكتب معه ,لم أفكر في نفسي كثيرا.
لكنه كان نعم السند لي يؤازرني ويعدني بأنه سيعوضني خيرا.
لم يكن يهمني الا استمراره وألا يعكر شيئا على مشواره.
الآن نحن في منتصف الطريق مضت سنتان ولم تبق سوى سنتان
وبعون الله نستمر.
لم نك نستطيع العودة في أيام الإجازات كي نوفر مصاريفنا ,مضت السنة
الثالثة مع كثيرا من المتاعب .لم أكن اشتكي مهما حصل وفي بداية السنة
الرابعة...
رزقنا بابنتنا فرح عندها لم يعد بإمكاني الاهتمام بالأطفال, لكن الوضع
أصبح أكثر يسراً ولله الحمد حيث عمل هادي في الجامعة في وقت فراغه
استطاع ان يتدبر الأمر وان نستمر فهذه السنة الأخيرة ولن نتراجع بعون
الله.
كان طالبا متميزا أما أنا فكنت مشغولة جدا بأطفالي هادي وفرح
وأصبحت اجتهد في توفير الجو المريح لوالدهم ليستمر تميزه.
ونحن في الغربة حيث قاربت السنة على الانتهاء وصلت أبو هادي
رسالة من جامعة في البلاد تطلبه للعمل بها بعد عودته.
بدأت الأمور بالانفراج بعد سنين معاناتنا التي لا يعلم بها إلا الله أكملنا
السنة وكانت من أسهل السنين التي مرت علينا.
عدنا للبلاد بعد تخرجه بتقدير عالي , لو تعلمي مقدار سعادتي يوم نال
الشهادة كأنني أنا التي نلتها وفرحتي لا تقل عن فرحته.
بدأ مشواره العملي وبكل جد ونشاط .أنهيت دراستي بعد عودتنا
وعملت في مجال التعليم كبرت أسرتي قليلا حيث أصبح لدي بالإضافة
إلى هادي وفرح عروب وعامر.
بدأنا حياتنا العملية بشئ من الصعوبة حيث لم يكن لدينا بيت نملكه
أصبحنا نجمع المال حتى نستطيع بناء المنزل
كنت بعد استلام مرتبي الشهري اجعله في رصيد زوجي وهو أيضا, لا
نأخذ إلا كفايتنا وأبناءنا وبدأنا بعد مرور سنتان في وضع أساس منزلنا
ولبنة لبنة بعد مرور خمس سنوات اكتمل منزلا رائعا من طابقين
حيث حرصنا على جعله متسعا قدر الإمكان.
كنا أسرة سعيدة تملا الألفة أرجاء منزلنا لا ينقصنا شئ.
أصبح أبو هادي يتبوأ أعلى المناصب حتى أصبح وكيلا لعمادة الجامعة.
لم يعكر علينا شئ لكن ...
وبعد مرور خمسة عشر سنة على زواجنا بدأت اشعر ان أبا هادي أصبح
سريع الانفعال ويبحث عن أي سبب لمغادرة المنزل ,استغربت جدا
فانا اعرفه كان لا يسعده سوى ساعات فراغه ليقضيها معنا ويحاول
تعويض أبنائه عن غيابه ,وكثيرا ما يصحبنا لنزهه أو تسوق أو زيارة
الأقارب.
واشد ما يثير استغرابي كثرة زياراته لإحدى عماته التي لم يكن على
وفاق تام معها ولا يزورها إلا في المناسبات زيارة خفيفة صلةً للرحم.
وعندما أساله يقول :انه قد نسي ما فات .ولعلمي انه كانت بينهم مشكل
عائلية لا اعلم ماهي فانا لا أتدخل في شؤونهم من قريب اوبعيد.
وهي الآن تزورنا باستمرار ,وكانت عند زيارتها تحاول بطرق متعددة
إثارتي بتلميحاتها لأنني لست من العائلة ولن يكون قلبي عليهم مهما كان.
كنت افهمها جيدا وأدرك أنها تحاول إثارتي ,لكن لم يكن يهمني سوى
ابوهادي وسعادته وألا يشعر بشئ ولم أكن اخبره بما يحدث
مع إنها كانت كثيرا ما تتجاوز حدود الأدب والاحترام.
كنت ألاحظ عندما يعود أبو هادي وهي موجودة أنها تحاول الإسرار له
بحديثها وربما قالت له: أريدك في شان خاص.
حتى أغادر المكان.
صبرت كثيرا واحتملتها فهي عمة زوجي ولا أريد من أبنائي ان يشعروا
أنني ابغض أقاربهم.
عانيت في سبيل تحملها وتدخلاتها الغير مبررة في حياتنا .حاولت ان
أوضح لها بطرق غير مباشرة ان ما تفعله لا ينبغي,
لدرجة أنها أصبحت تتدخل في أمور خاصة جدا مما أثارني ولم اعد
احتمل.
كنت أحاول ألا أزورها كثيرا فعندما أكون مع زوجي في زيارتها أجدها
تحاول ان تبين له أنني لا أجيد أشياء كثيرة كما تفعل هي
وبناتها,حتى في الطبخ وأنهن يجدن كل شئ ولا يوجد من يتقن عمل شئ
سواهن.
كان أصعب يوم يمر في حياتي عندما تكون في زيارتنا فعندما اسمع
طرقاتها على الباب ينقبض قلبي.
و في يوم من الأيام....
وبعد ان مللت أفعالها ولم اعد احتمل وقبل ان افتح لها الباب ترددت
كثيرا في استقبالها,
لكن تمالكت نفسي ,فتحت الباب وبعد تناولها قهوتها قررت ان أضع حدا
لما تقوم به.
سألتني أين أبو هادي ؟
أجبتها ماذا تريدي من أبي هادي ؟ أما تري انك تجاوزت حدودك كثيرا
ومنذ ان كثرت تدخلاتك في حياتنا وأبو هادي لم يعد كما نعرفه
فأرجو منك لو سمحتي الكف عن ذلك.
ولم أسئ إليك أو لأحد من أسرتكم ولو فعلت بدون قصد أو انتباه
فاخبريني لعلي اعتذر.
أجابت بكل وقاحة أنت لا دخل لك بين الأقارب والأمر لا يعنيك وأنا لا أفكر
فيك أبدا.
وأخذت عباءتها وخرجت بدون استئذان والشرر يتطاير من عينيها وقد
بدى الشر واضحا على محياها.
وفي المساء وبعد عودة أبو هادي كان شخصا آخر لم اعهده.
أسلوبه حديثه وحتى طريقة دخوله المنزل لم اعهدها أبدا.
وعندما سألته ما بك ؟
رد ردا غير معهودا وكأنه شخصا آخر ليس هو من اعرف.
قال لي :إلا أقاربي يا أم هادي إلا أقاربي لا اقبل من احد الإساءة إليهم.
استغربت جدا من أسلوبه الغير معهود.
أجبته ماذا فعلت يا أبا هادي لم أسئ إلى احد منهم.
ماذا فعلت مع عمتي عندما كانت في زيارتك ؟
أجبته :لم افعل لها شيئا فقط طلبت منها ان تكف عن تدخلاته في حياتنا.
صمت وذهب ولم تكن عادته أبدا فقد كان لا ينام حتى يطمئن على جميع
من في المنزل ويمر على غرف أبنائه ويسال عمن تأخر في
الخارج أين هو ويتصل ليطمئن عليه.
ذهلت لما أريت فعلا لم يكن هو زوجي الذي اعدت عليه.
ترى ماذا قالت له تلك العمة وبما ذا أخبرته ؟
لا يمكن ان تكون قالت له الحقيقة فانا لم أسئ لها أبدا لم تكن سوى
كلمات عتاب وبكل أدب.
مر على هذا الموقف قرابة شهران وأبو هادي ليس هو والعمة لم تدخل
بيتنا من يومها.
وفي يوم من الأيام زارتني إحدى الجارات ولم أفكر ان في جعبتها خبر
وقع علي كالصاعقة التي هدت كياني.
سألتني بكل برود لماذا لم تخبريني .....؟
أجبت وبم تريدي مني إخبارك؟
لم استفق بعد سؤالها إلا بعد ساعة تقريبا لأجدها قد رحلت وحولي أبنائي
,ودموعهم تنهمر وهم يرددون :سلامتك يا أمي
ماذا جرى ؟وماذا فعلت تلك الجارة؟ما بك هل فعلت بك سوءا؟
عادت كلماتها ترن في أذني بعد ان أفقت لقد ألقت بقنبلتها وذهبت.
لم اجبها لاني لم استوعب سؤالها وبعد ان أدركت ذلك ذهبت.
كانت فرح تبكي بحرقة شديدة فهي الكبرى ولم ترني على تلك الحال من
قبل.
لقد تأثروا كثيرا لرؤيتي بهذا الحال.
كانوا يرددون سؤالهم قولي لنا ما ذا فعلت بك جارتنا ؟وكانت عروب
ترتدي عباءتها لتذهب وتسأل الجارة بعد ان طال صمتي ولم اجبهم.
تمالكت نفسي وقلت لها: ارجعي سأخبركم بألمي وسبب ما حل بي
عادت وهي تقول خيرا أمي ماذا حصل ؟
بالكاد كانت الكلمات تخرج من بين شفتاي كانت تعصرني وأنا أحاول
إخراجها حرفا حرفا بالكاد اجمعها كلمة كلمة.
عانيت كثيرا حتى أوصلت لهم الخبر الذي صعقهم كما صعقني.
كل هذا وأنا بين المصدقة والمكذبة.
استجمع كلماتي وأنا أتذكر قبل أسبوعين وأنا ارتب ملابس أبو هادي
واعدل ما تمايل منها ووأسوي ما اعوج وهو يردد مشكورة أم هادي
جزاك الله خيرا بنبرة فيها شيئا من الضعف حتى أني حسبته مريض
وسألته ما بك اليوم لعلك بخير؟.
لم انس عندما طلب مني غرشة العطر وأسرعت وكدت أنكفي على وجهي
وأنا اجلب له عطره الذي اخترته له بنفسي وكانت هديتي ونحن
في سنين الغربة ولا يزال عطره المفضل حتى الآن.
لم أنساه وهو يقول: ان لديه عشاء هذه الليلة وبعدها سيغادر إلى مدينة
أخرى ويبقى فيها أسبوعين لحضور مؤتمر علمي وسيعود فور انتهائه.
عدت لإجابتهم على السؤال الذي لم أتوقعه من الجارة ولم أتوقعه منهم
وكيف سأستطيع سؤال والدهم عندما يعود ؟
استجمعت قواي التي خارت وقلت لهم اسمعوا الأمر الذي لم يخطر على
بال ولا يمكن لكم توقعه....
تنهدت للإجابة على أصعب امتحان يمر علي طوال عمري ,أجبتهم تلك
الجارة كانت تتساءل لم لم اخبرها بزفاف والدكم على ابنة عمته ,ألقيت
الخبر الذي قلب المكان إلى أشبه بعاصفة من الحيرة وعدم التصديق
,شعرت بأن
الإجابة تنزع من صدري وتقتلع معها شيئا من احترامي لشخصه الذي
كان كل كياني وأول اهتمامي.
كنت أتساءل كيف كذب علي أبو هادي الذي لم يعرف الكذب ؟كيف
استطاع خداعي وهو ذلك الرجل المتزن الذي لم يعرف التلون أو الخداع
,لم طلب مني تلك الليلة مبلغا كبيرا من المال هل يعقل انه استعان به
لإتمام الزفاف
؟هل سهل الأمر عليه إلى هذه الدرجة هل ,وهل ,وهل ؟؟؟؟ أسئلة لا تجد
إجابة حتى ألقاه وجها لوجه فانا لا أحب إلا المصارحة ولا اصمت وفي
نفسي أي شئ على احد ولاانام على غلٍ أبدا مهما يكون الأمر.
وسأجد الإجابة بمجرد ان أراه ؟ لن يمر الأمر بسهولة ولن تطعن كرامتي
بهذه الشاكلة واصمت لم لم يواجهني ؟ولم كذب علي لم؟
لم هذا النكران ؟لم لم يقدر ثقتي العمياء ؟
أيقضني من خضم سيل الأسئلة الجارف نداء أبنائي أمي أمي :هل
صدقتي؟ أنت تصدقي أي شئ وأي كلام ربما تكذب أو هي حاسدة نسيتي
أنها قريبة لعمتي ومن صديقاتها .وإنها ربما تحسدك. لأنك أنت وأبي من
اسعد الأزواج
وهي من المؤكد أنها تريد إثارتك لان والدي مسافر واستغلت الفرصة.
هذه الكلمات كانت تخرج تارة من هادي وأخرى من فرح. كانوا يتبادلون
الدفاع المستميت كمحاميان بارعان .أما عامر وعروب فقد كانا صغارا
بعض الشئ حيث لزما الصمت وفضلا الانزواء .أجبتهم لا لا لم تكن تكذب
فقد برهنت لي بدليل قاطع ان الأمر حقيقي.
لقد كانت ابنتها مع الحضور ورأت كل شئ بعينها وبطاقة الزفاف كانت
بين يديها ربما دفعها لإحضارها نوعا من التشفي أو الحقد أو بإيعاز من
العمة لست ادري لكنها الحقيقة وقد رايتها تلك الحقيقة التي لم نحسب
حسابها ولم تكن في اعتبارنا أبدا.
لكن أريد منكم شيئا واحدا لعلكم تستطيعوا فعله :أجابوا بكل توتر خيرا يا
أمي أمرينا ونحن نطيع.
قلت لهم لا أريد منكم سوى الصمت عند حضور والدكم ولا أريد منكم
سؤاله عن أي شئ .دعوا الامرلي ودعوني أتفاهم مع والدكم كل منكم
يهتم بدروسه ومستقبله.
أجابوا أمرك ياامي .وصعدوا لغرفهم بعد ان اطمأنوا علي.
بقيت في مكاني كانت الساعة العاشرة ليلا ولم انتبه من أفكاري إلا
والمؤذن قد نادى لصلاة الفجر.
لم اعلم كيف مرت علي تلك الساعات وأنا في نفس المكان لم انم تلك
الليلة.
عند الساعة السابعة والنصف صباحا رن هاتفي لم تكن رنة معهودة فانا
لست أنا فقد شعرت أنني امرأة أخرى لم أتلهف للإجابة كعادتي خاصة
عندما يكون أبو هادي في سفر.
أمسكت الهاتف ونظرت إليه لم يكن حدسي صحيحا فلم يكن أبو هادي
المتصل كما توقعت بل كان رقما آخر لم اعرفه ,فتحت الخط ولم اصدق
أذني وأنا اسمع صوت....
العمة كاد ان يخترق طبلة أذني كانت تتحدث بنبرة عالية وتتكلم بكل
عنجهية .قالت: اسمعي يا صافية منذ اليوم البيت لن يصبحك لك وحدك
,قومي من كسلك وجهزي الطابق الثاني ليكون مسكنا خاصا لابنتي ,فهم
قادمون الليلة
من السفر ولا أريدها ان تصل والمنزل ليس مهيأ.
اجعلي غرف أبناءك في الأسفل ولاتتاخري وسأرسل لكم عمالا لانجاز
ذلك بسرعة فالرحلة ستصل العاشرة ليلا ولا يوجد وقت انتظريهم بعد
ساعة من الآن.
لم تدعني اجب لم تنتظر حتى ردي وهي تقول اعلم انك تسمعيني ولن
تملكي إلا التنفيذ.
أقفلت الخط ولم تسمع لو كلمة من كلماتي أو تدع لي فرصة الرد.
أمسكت بالهاتف وآنا في حيرة هل هذا غزو أو استبداد أم ماذا اسميه
؟ذهلت مما سمعت ,بل لم استوعب ما طلبت مني إنها قذيفةاخرى أتلقاها
في اقل من أربع وعشرين ساعة.
لم أفكر في شئ سوى مهاتفة أخي الكبير حتى أستشيره في هذا الخطب
الجلل والأمر الذي لم احسب له حساب وعجزت حتى عن التفكير فيه..
كلمت أخي وطلبت منه الحضور ,جاء على عجل فلم يعتد مني مثل هذا
الاتصال خاصة وهو في عمله ,جاء في لهفة وهو يقول :مابك يااختي
العزيزة إنني متأكد ان بك أمر جلل وشئ لا يمكن تحمله فانا أعرفك لا
تستعيني بأي
احد إلا إذا أعجزتك الحيلة.
طلبت منه ان يسمعني ويدلني ماذا افعل.
بعد ان سمع مني ردد مستحيل ان يفعلها أبو هادي فانا أعرفكم من اسعد
البيوت ,ماذا جرى هل جن أم ماذا به؟
قلت له:لكنه فعلها والآن ماذا علي ان افعل وتلك العمة سترسل عمالها
كما تقول.
وسأفعل ما تقول لي فانا شبه عاجزة حتى عن التفكير.
قال لي أخي: حسنا سأبقى معك اليوم وأتفاهم مع هؤلاء لن أتركك لوحدك
أبدا.
فما تعرضت له ظلم لا يمكن السكوت عليه,سواءا من زوجك أو تلك
العمة المتعجرفة.
جلس أخي يهدئني وبعد ساعة إذا بالباب يطرق طلب مني أخي الجلوس
وقال دعيني لتفاهم مع تلك العمة وعمالها.
فتح الباب وإذا به يقف أمامها وجها لوجه وبكل وقاحة وحتى دون سلام
قالت: ادخلواوابدأواعملكم.
نهرها أخي أين يدخلون ؟ هل هذا بيتك ؟أما تستحي أو تخجلي ارجعي
وراءك أنت ومن أحضرت واخرجي بسلام وحين يحضر ابوهادي لي معه
كلام آخر.
لم تتوقع تلك العمة أنها ستجد من يقف في وجهها بل كانت تظن أني
لوحدي فهي تعلم أني مسالمة ولا أريد الدخول في أي نوع من
المصادمات.
خرجت بخيبتها تجر أذيال الفشل وتلقي بنظرات الحقد على أناس لم
يمسوها بسوء في يوم من الأيام.
لم يتغير طبعها فهي امرأة حقود وتكره ان ترى السعادة في عيون
الآخرين.
لم تكن تهمني لكن إذا وصل الأمر إلى هدم حياتي فلا.
بعد ان انصرفت عاد أخي وهو يقول لاتسمحي لها ولا لابنتها بدخول
منزلك حتى يظل عامرا ويتربى أبناءك في أمان وذا عجزت عن المواجه
ثقي أني بقربك.
ذهب أخي وبقيت كما أنا في نفس المكان إلى ان نزل أبنائي من غرفهم
وهم مستغربون لا زلت يا أمي في نفس المكان لم تنمي حتى الآن
.أجبتهم نعم لم استطع النوم ,والان ذهب خالكم .كان هنا. وعتبوا علي
أنني لم اخبرهم
بوجوده .قلت لهم سيزورنا كثيرا بعد الآن وسترونه في كل وقت فهو
يعلم أنني بحاجته ,المهم ان تنتبهوا لدروسكم فقط.
قمت لأستريح فأمامي مشوار طويل من العناء.
مضت ساعات يومي مثقلة حزينة لا اعلم كيف مرت ,في المساء رن
هاتفي كان المتصل أبو هادي كان اتصاله اتصال البريء أوكأنه لم يفعل
شيئا ,حيث يبدوا انه لم يعلم ما حدث من تلك العمة ويحسب أني لم اعلم
عن شئ.
كانت ضحكته المعهودة عبر الهاتف وهو يطمئن علينا كانت غريبة الوقع
على قلبي فهي الآن بمثابة سكين تزف لها دماء قلبي سكين أجاد الحداد
صقلها وحد شفرتها وأمعن بطعنة منها في صميم قلبٍ لم يعرف إلا الوفاء
ونكران
الذات من اجل الآخرين ,خاصة المقربين إلى قلبي ,لم أر غيرهم ولم
أألف الحياة إلا معهم
أجبته وكأني لم اعلم سألته عن أخباره وأحواله وسالني عن الأبناء
.واخبرني انه الليلة سيصل وهو الآن في المطار قبل ان يصعد للطائرة
وانه مشتاق إلينا وسيحضر معه الهدايا.
أغلقت السماعة بعد ان انهي حديثه والأسئلة تلح علي لماذا كل هذا كيف
أجاد ابوهادي فن لم يعرفه يوما كيف أجاد التمثيل بهذا الإتقان؟كيف
استخف بي إلى هذه الدرجة؟ورضي بهذا الأسلوب الرخيص وخان
عشرتي بصمت
وبرود.
غفوت بعد ان أرهقني التفكير وأضناني السهر .لم أفق من غفوتي التي
طالت إلا على أصوات أبنائي وهي تتعالى أمي أمي...
خاتمة القصة
أبي وصل استيقضي :نهضت من إغفاءتي وكأني أفقت من غيبوبة
استمرت سنين ,كان أبو هادي أمامي رجلا آخر كأني
أراه لأول مره.
لقد أجاد التمثيل بصوته عندما كان بعيدا وعبر الهاتف, لكنه الآن أمامي
وخانته عيناه فقد قالت مالم يقله لسانه.
كان يحاذر النظر إلى عيناي ويحاول الانشغال بأبنائه.
بعد ان اخذ كل منهم هديته وذهبوا جميعا ,نظرت إليه نظرة المشفق ,فانا
الآن انظر إلى رجل ظالم لنفسه قبل ان يظلمني
بادرته لماذا كل هذا يا أبا هادي ؟ هل هانت عليك العشرة ؟هل نسيت أيام
الغربة وبداية السنين التي قاسمتك حلوها
ومرها
هل نسيت أني بعد الله السبب في وصولك إلى ما أنت عليه الآن ؟
لماذا تطعني بسكين الخيانة ,خيانة العشرة.
هل استحقيت منك كل هذا ؟
لا أقول ذلك من اً فقد أعطيت ذلك ولم انتظر منك مقابل وأنت تعلم ذلك جيدا.
هكذا رد الجميل في نظرك هل مكافأة العطاء تكون جحودا.
إلى الآن هو صامت لم ينطق ببنت شفه.
كان صمته يطعني أكثر فأكثر قلت له ألا تقول شيئا؟ قل أي شئ.
لعلي أجد ما يريحني من عاصفة الأسئلة التي لم أجد لها أجوبة منذ
علمت بزواجك.
أجاب بعد طول صمت ومن قال لك ؟وكيف علمت ؟
أجبته هل هذا هو المهم نعم علمت ولا يهم من اخبرني المهم أني علمت
الخبر من سواك ,الم تفكر في مثل هذه اللحظة
التي ترسل إلي صفعة بهذه القوة بل وتستعين بمالي على لإتمام صفعي ؟
أما أخبرتك عمتك بأنها كانت تريدكما هنا معي وفي منزلي ؟
هل تريد مني ان اهدم منزلي بيدي واجعل مثل هذا الأمر يتم .؟
بكل برود قال :إنها ابنة عمتي وهي الآن زوجتي وقد علمتي
بالأمر مع أني كنت أريد إخبارك بنفسي.
ولا أظنك تمانعي في قبول سكني وإياها هنا حتى أكون بالقرب منكم
ولا ينقصكم شيئا وسأعدل بينكما فانا لم افعل محرما ولم اقترف إثما.
صمت فماذا أقول فالأمر على ما يبدو هينا في نظره والشئ الذي فعله لا
باس به والأمر سيان بالنسبة له سواء علمت أو
لم اعلم
رددت عليه وهذه المرة بنبرة حادة لأول مرة يعلو صوتي منذ زواجنا
والغريب أني لا زلت متماسكة ويبدوان سبب
تماسكي شعوري بأن كرامتي جرحت وأنا لا أرضى بالضعف خاصة إذا
نال احد منها .قلت له :هل هنت لديك إلى هذا الحد .؟
أنا لا اعترض على الشرع وما حلله وما حرمه.
لكن خيانتك وأسلوبك وإتقانك التمثيل قطع ما بيني وبينك فأنت الآن أبو
أولادي فقط ولا أريد ان تتأثر حياتهم بأي شكل.
أما أنت فامض مع من اخترت ولتكن حياتك بعيدة عنا فلن تقاسمانا
منزلنا ولن أراها هنا ما حييت فانا اعرف ان عمتك
عرفت كيف تستميلك وتجعلك تتزوج ابنتها ,ولكن ان تحتل هي وابنتها
منزلي وتهدم أسرتي فلا وألف لا.
اطرق قليلا ثم نهض وقال لي سأذهب وسأكون زوجا عادلا ومنذ ذلك
الحين وأنا لا أراه إلا إذا حن لرؤية أبنائه أو
اشتاق لتناول طبخة اعتاد عليها ولم يجدها عند تلك المرأة او مناسبة
زواج احد أبنائه.
وها هو كما ترين لا يزورنا إلا في المناسبات.
الأمر بالنسبة لي أصبح مجرد ذكريات جميلة فقد سقط في داخلي ذلك
الكيان الكبير ورحل ذلك الرجل الذي كان يسكن
حناياي.
أصبح مجرد ظل للحفاظ على أسرتي من التشتت والضياع.
وألان بعد ان سمعتي قصيتي يابنيتي ما رأيك؟
ردت عليها زوجة ابنها كم أنت رائعة؟يكفي حفاظك على منزلك واهتمامك
بمستقبل أبناءك أنت تستحقي كل التقدير
والاحترام وتصرفك بحكمه حفظ بيتك من السقوط وأبناءك من الضياع.
أنت أم مثالية حفظت كرامتك بحفظ أبنائك وسأكون مثلك واحتفظ بقصتك
في صدري لتكون عونا لي وسأجعلك مثلي
الأعلى.
ولعل هادي لا يكرر غلطة والده فربما عجزت ان أكون مثلك, دمت يااماه
تاجا على رؤوسنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق